كثير منا يعرف قصة الفتى الذي دخل على النبي الكريم ، سيدي وقرة عيني محمد صلى الله عليه وسلَّم لكي يآذن له في الزنا ويبدو أن هذا الشاب كان كثير الفتنة بالنساء (وقتها الحريم شكلهم ماكانوا يغطو وجههم) وقد تعلمت هذا الحديث كباقي الأحاديث في مدارسنا الحكومية العظيمة على النحو التالي:
كيف أن الشاب كان مفتوناً والعياذ بالله
كيف أن النبي عالج قلبه المريض حيث وضع صلى الله عليه وسلَّم يده الشريفة على قلب ذلك المفتون
الإعجاز النبوي وكيف خرج الشاب يكره الزنا بعد ما كان الزنا أحب شيء إلى قلبه
لا أشككك في قدرة المدرس على شرح الحديث ولكن بعد التأمل في الحديث وبعد مروري في مرحلة الشباب و التعامل مع الشباب من الجنسين و عملي في مجال الاعلام وقرأتي لبعض كتب علم النفس ، ادركت معاني أخرى لهذا الحديث ، أحببت أن أشارككم أياها من باب التسلية وليس من باب شرح الحديث فإنني لا أعلم شيء في هذا البحر ولو حاولت فسأغرق في موجة.
أولاً : ما لفت نظري في هذا الحديث هو اننا ركزنا فقط على القصة ولم نعطي أهمية لهذا الفتى الشجاع ، الصريح مع نفسه ومع نبيه صلى الله عليه وسلم . لم يستح من شغفه بالنساء وبحبهن ولم يمنعه ذلك من أن يكون صريحاً مع نفسه ومع معلمه ، فأول العلاج التشخيص ولا يمكن التشخيص من غير التحدث عن الأعراض بكل صراحة ومن غير خوف من العواقب.
ثانياً: صلى الله عليك ربي يا ابا الزهراء ، أحبك يا رسول الله ، أعشقك يا نبي الرحمة ، مغرم بخلقك يا سيد المرسلين ، كيف كنت تتعامل معهم ، كيف كان سهل الوصول إليك، كيف تسمح لشاب مفتون بـحب النساء أن يصَّرح لك بهذا الجرم ويشغل وقتك الثمين في نشر الرسالة في أنـحاء الأرض ، كيف يشغلك عن الرسالة التي كلفك بها العظيم ، الجبَّار ، المتكبَّر ، المنتقم ، الرحيم ، الرؤوف ، الودود ، صلى الله عليك يا علم الهدى فأنت على خلق عظيم ، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلَّم جلس مستمعاً لهذا الشاب بهذه الرحمة وهو البشر فكيف الذي خلق هذا النبي الكريم ، كيف بنا إذا وقفنا أمام الله نصارحه بضعفنا وبذنبنا فيكون أرحم بنا من النبي بذلك الشاب.
ثالثاً: لقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب بأرقى أساليب التعامل وأخص منها ثلاثة:
الطلب من ذلك الفتى القرب وبذلك إعطاءه كل الآمان وهيئ له البيئة للتحدث بكل صراحة وحرية من غير تـخوَّف من العواقب وبذلك اهتم صلى الله عليه وسلم أن يخرج الفتى كل ما في قلبه.
تحدث معه بلغة المنطق ، أترضى الزنا لأحد من أهلك ولم يتحدث النبي معه بهذا المنطق إلا بعد ما عرف صلى الله عليه وسلم أن هذا أمراً عظيم لذلك الشاب لأنه يوجد الكثير من لا يهمه أن يزني أهله وهنا وقفة بأن الدعوى إلى الله ليست للجميع فهي فن يتطلَّب الكثير من العلم بأمور الناس والنفس.
معرفة النبي أن حب الزنا أمر عاطفي لا يمكن التعامل معه بالمنطق فقط وبذلك دنى النبي صلى الله عليه وسلَّم من الشاب ووضع يده على “قلبه” لكي يملئ قلبه بحبه صلى الله عليه وسلم فأبدل النبي حب الزنا بحب أخر هو أرقى وأكثر دواماً .
الحب هو أقوى العواطف تأثيراً وفتكاً فمن أحب شيء ضحى بكل شيء من أجل ذلك الحب ، فلذلك اساس الدين هو الحب والدين من غير حب لا عماد له فلربما نزع الحب من قلوب الناس بكل أشكال الجفاء هو الذي أبعد الدين والجمال من قلوب الناس وبالتالي أبعد الدين من القلوب وبقي في العقول ولذلك نرى رموز الدين ولكننا لا نرى الدين.
رابعاً: عندما ذكر الفتى حب الزنا للنبي لم يزجره النبي ولم يذكره بالعقاب في الدنيا والآخرة ، فهدف الدين ليس العقاب والنار ، فالزنا له عواقب كبيرة دون عقاب الله ، فحَّول النبي صلى الله عليه وسلَّم النقاش إلى نقاش منطقي يعتمد على القيمَّ وليس على العقاب وكأنه في هذه اللحظة غيَّب النبي الحد والعقاب حتى يكون النقاش مبنياً على أسس منطقية عقلية متبوعة بحب المعلَّم لطالبه ، فأتى النقاش ثماره من دون الزجر والتخويف.
خامساً: الزنا موجود ومحبوب وممتع والناس تزني كل يوم وكل ساعة وكل لحظة وأقوى قوى الدنيا لا تقدر على منع الزنا ولو جلدنا كل زاني وزانية وإن رجمنا كل محصن ومحصنة فالزنا أمر طبيعي كطبيعة الأكل والهدف من الحد ليس منع الزنا وإنما تقنينه
لو علم الشاب أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يناقشه في أمر الزنا لأستغنى بالنقاش عن الزنا ، إن تضخيم أمر الزنا وجعله ذلك الإجرام الذي لا وجود له والتحدث عنه بلغة الغائب ، خطأ يرتكبه الجميع في حق الشباب الذي يريد ممارسة حقه في التمتع خاصة في مجتمع غاب فيه الحب وغاب فيه البديل عن الزنا
إلى كل شاب وشابة ، إن أردتم الزنا فتحدث قبله مع نبيك ، أذهب إليه وقل له كما قال له الفتى ، إذن لي يا رسول الله في الزنا ودعه يضع يده على قلبك ويقل لك إنه يحبك فلربما يدعو لك صلى الله عليه وسلَّم ليبدل الله حب الزنا بحب أخر يغنيك عن الدنيا وما فيها.